الجمعة، 23 أغسطس 2013

العدل الأخلاقي


بالأمس طرح الأخ حسين حاجي على تويتر السؤال التالي:

"لو كان قتل رضيع ينقذ مليون إنسان هل ستقتله ؟" 


وتفاوتت الردود بين النفي والإيجاب ومن اسنعاذ بالله من شر الشيطان الذي أوحى بمثل هذا السؤال، مما دعاني إلى طرح بضعة أسئلة أخرى أدعوكم لسؤال أنفسكم إياها ..
هل كان سبب رفْضِ من رفَض أن الأمر يؤدي إلى إزهاق روح طفل؟ ما الفرق لو كان بالغًا؟
كيف ستكون إجابتك على لو اختلف المثال قليلًا ؟

- لو كان قتل مجموعة صغيرة جدًا من الناس يستنقذ باقي أهل الأرض جميعًا، فهل يجوز قتل تلك القلّة؟

ماذا لو علمتَ بأنني أشير إلى النبي نوح -عليه السلام- ومن تبعه من المؤمنين "وما آمن معه إلا قليل".. فقد ذكرت بعض الروايات أن عددهم كان يقل كل عام حتى بلغ الثمانية أشخاص!
إن قتل هذه الفئة القليلة كان لينجي أهل الأرض جميعًا من الطوفان وقتها. ولكن هل كانوا حقًا يستحقون النجاة؟
(جميعنا يعلم بأن الأمر لا يستقيم بلا قوة الخير على الأرض ولكنّي في محل الافتراض)

.. مثالان آخران (وهذه المرة سأذكر الشخصيات من البداية ليتسنى لك الحكم على بيّنة) :
- ماذا لو أنك استطعت اغتيال معمر القذافي قبل أن يصل للسُّلطة؟ إنك ستنقذ أرواح عشرات الألوف من البشر.. هل تفعلها؟
- لو تمكنت من قتل الفيزيائيين الذين عملوا على مشروع مانهاتن قبل أن يبدؤوا، مجددًا، هل تقوم بذلك؟

ألا ترى أنك إن قتلتهم تلك الأوقات تحديدًا فإنّكَ تنقذ العالم من أخطارٍ مدمرة، إنك تنقذ كل كائن حي كان ليعيش -بداءً-. إنك بقتلهم تسدي لهم خدمةً عظيمةً بحفظ سمعاتهم!
ولكن..
ما الفرق بين ذلك وبين ما فعله فرعون ببني أسرائيل؟
وكيف كان الناس ليختبروا حقيقة الأمر؟ إذ لا مانِعَ من انقلابٍ سلميٍّ على السلطة، ولا ضرر من السلاح النووي فالعالَم مملوءٌ بالأسلحة ولا بأس إن جربنا نظرية آينشتاين على أرض الواقع!
ثم لماذا نجمح للقتل؟ يكفينا أن نسلب منهم بعض أجسادهم.. هل هذا عدلًا؟ ألسنا نجهد لحفظ البشرية!
.. هل أنا أنظر لمواقف متماثلة أم إنني أقوم بقياسٍ باطل؟!

تساؤلات وأمثلة أخرى يطرحها البروفيسور مايكل ساندل في مجموعة من محاضراته.

في قصة النبي نوح -عليه السلام- فإن الموافقة على التضحية بالقلة تستلزم سفك دم شيخ الأنبياء ودم كل من هو طيب من أهل الأرض في سبيل الإبقاء على شر أهل الأرض بحجة أنهم أكثر عددًا!
إن المساواة بين الشقي والسعيد كأرقامٍ خاوية من كل معنًى لا يجوز عقلًا. وهذه، كما أرى، أكبر ثلمة في الأنطمة الديمقراطية.

إنّ الإنسان، ما لم يُردَع، يرى في نفسه قوة تشريعية؛ إنه يبدأ بإصدار أحكامٍ في قرارة نفسه يرى فيها العدالة الحقة، ويصل إلى أن يرى نفسه هي العدالة لا شريك لها ولا مثيل فيفوّض لنفسه التحكم في أقدار العباد وفق عدالته القاصرة!
(أوصي بمشاهدة الأنمي مذكرة الموت Death Note لمن يرغب بالإطلاع على نموذج مثير للاهتمام)

لا شكّ بأن الإجابات اختلفت في هذه المواقف كما اختلفت في جواب السؤال الأصلي.. ويُستدلّ باختلاف المنظور الأخلاقيّ على أن الإنسان يحتاج إلى مرشدٍ؛ إذ لا يمكننا التوصل إلى ما هو صوابٌ أخلاقيًّا -أو الاتفاق بأنه صواب على الأقل- دون تسديدٍ وإرشاد.
وهذا يدعم الادعاء بأن القرآن الكريم كتاب أخلاقي بالدرجة الأولى (فالعلم يصلنا بالبحث، وأحوال الأمم من المؤرخين ...إلخ)

لذا أقول باختصار أن محاولة الوصول للعد الأخلاقي من غير اللجوء إلى هدى فاطر الخلق لن يُفضي  إلى المطلوب، وإن كابَر من يدعي غير ذلك فإنهم لا يلبثون إلا أن يتخبطوا، ويقعوا ضحية مغالطة منطثية أو أخرى وتظهر ازدواجية أحكامهم.

* إن أردت رأيي في أي الأمثلة فارجع إلى كتاب الله :)

الثلاثاء، 13 أغسطس 2013

ترجمة: هل النجوم التي تراها في السماء ميتة؟

قام الفلكيّ والكاتب فيل بلايت بنشر هذا المقال على مدونته اليوم،
وهذه الترجمة هي نقل لأفكار الكاتب دون التحقيق أو التعليق.


هل النجوم التي تراها في السماء ميتة؟

Orion: still there.

Photo by Stephane Guisard



عندما تخرج من منزلك في المساء وتحدّق في السماء وأجرامها فإنّها تبدو لك خالدةً أبدًا وغير قابلة للتغيير.

ولكن هذه محدودية فينا نحن البشر؛ نحن نعيش في نطاق زمنيّ أقصر بكثير من نظيره لدى النجوم. لكننا قمنا بدراسة النجوم وتعلم الكثير عنها حتى كوّنّا فهمًا جيدًا عنها.
النجوم تشبهنا كثيرًا؛ فهي تولَد، فتعيش فترة من الزمن، ثم تموت. بعضها يتلاشى تدريجيًا وبعضها الآخر ينفجر، ولكنها جميعًا -مثلنا تمامًا- غير خالدة.

هذا شيئ أُدرِكَ حديثًا، وخلّفَ لنا خُرافةً حديثةً أيضًا، وقد رأيتها هنا وهناك منتشرةً، غالبًا ، في مواقع التواصل الاجتماعي، تُحكى كأقصوصةٍ أخلاقيّة؛ تعطي القارئ إحساسًا باختلاف منظوره عن الواقع.  إليكم نصّ الحكاية:

"عندما تنظر إلى النجوم فإنك في الحقيقة تبصر الماضي؛ أغلب النجوم التي تراها ليلًا قد ماتت."

وقد رأيتها مؤخرًا في موقع تويتر على حساب UberFacts والذي، كما يبدو، ينشر "حقائق" غير صحيحة وغير موثّقة غالبًا، وما هذه إلّا أحدها.

الأمر في الواقع ليس عصيّ الفهم.. الجملة الأولى من تلك "الحقيقة" صحيحة تمامًا؛ فإنك عندما تنظر إلى الأنجم فإنك تراها كما كانت ذات مرة: الضوء ينتقل بسرعة عظيمة -على حدّ معلوماتنا فإنه أسرع شيء في الكون- ولكنه ليس بذي سرعة مطلقة.
فبسرعة 3*10^8 متر\ثانية يستغرق أكثر من ثمان دقائق لينتقل من أقرب النجوم للأرض (الشمس) إلى كوكب الأرض نفسه.. يمكنك التفكير في الأمر كما لو أنك تبصر كيف كانت الشمس قبل ثمان دقائق.
إن أقرب نجم معروف من الشمس هو رجل القنطور Alpha Centauri وهو نظام نجميّ ثلاثيّ.. وعلى الرغم من قربه فإن الضوء يستغرق أربع سنوات للوصول منه إلينا.

إن ساعة نهاية إيتا القاعدة قد اقتربت

 هناك حوالي ستة آلاف نجم يمكن مشاهدته بالعين المجردة، والغالبية العظمى منهم تقبع بحدود 1000 سنة ضوئية من الشمس.. النجوم تعتم بسرعة عندما تكون بعيدة؛ حتى عن بعد 60 سنة ضوئية من الشمس فإنها قد تخبو لحدٍّ لا يمكننا من رؤيتها.
وحدها أزهر الأنجم يمكن رؤيتها من مسافات أبعد مثل "ذنب الدجاجة!" Deneb [ يبعد حوالي 1500 - 2500 سنة ضوئية ]، إيتا القاعدة Eta Carinae [ على بعد 7500 سنة ضوئية ]، رو ذات الكرسي Rho Cassiopeiae  [ على بعد 8000 - 12000 سنة ضوئية ].. وهذه القائمة تضم اثني عشر نجمًا زاهرًا.

إنك إذن عندما تنظر للسماء ليلًا فإنك ترى أبعَدَ الأنجم كما كُنَّ قبل ما يقل عن ألف عام.. أغلب النجوم أقرب من ذلك.

لكن النجوم تعيش أطول من الألف عام بكثير.. شمسنا ستستمر كما هي عليه لمليارات السنين. حتى أزهر النجوم التي تستهلك وقودها بسرعة أكبر، تستطيع العيش لمليون سنة أو أكثر.
هذا يعني أن احتمالية موت نجمة بينما يكون ضوءها في طريقه للأرض هي احتمالية ضعيفة جدًا؛ باعتبار حياة النجم فإن بضعة آلاف سنة من حياته تعادل طرفة عين أحدنا. يتحتم أن يكون النجم على وشك الموت ليتحقق الزعم المذكور مِن بعد حياة طويلة جدًا جدًا.

بإمكاني التفكير في بعض الاستثناءات.. فإن النجم الزاهر إيتا القاعدة Eta Carinae على وشك الانفجار
فقد خضع لنوبة مفاجئة في أربعينيات القرن التاسع عشر، كان ذلك حدثًا قصيرًا من مستعر أعظم Supernova. ربما لن ينفجر حتى 50,000 سنة قادمة! وربما ينفجر الليلة! وبمسافة أقل من 10,000 سنة ضوئية فإنها ليست احتمالية معدومة بأنه، بمعنًى، قد انتهى أمره ولكننا لم نعلم حتى الآن..

ولكن، هذا هو الاستثناء ؛ فأغلب النجوم تندمج لتضيء المجرة.

لكنني أراهن أن هذا الادعاء (أن النجوم ميتة أصلًا) خاطئ حتى بمقرابٍ (Telescope) جيد؛ إن مجرة درب اللبانة -أو درب التبانة إن شئت- تمتد مسافة 100,000 سنة ضوئية، وعدد ضئيل من النجوم فيها يعمّر أقل 100,000 سنة.
باستخدام  المعدل يمكننا توقع تحوّل نجمتين أو ثلاث، على الأكثر، إلى مستعرٍ أعظم Supernova كل قرن (100 سنة)، لذا فإن الضوء من آلاف الانفجارات المشابهة في طريقه إلى هنا. قد يبدو هذا عددًا كبيرًا، لكن مجرتنا تحوي مئتي مليار نجم فيها، لذا يُعتبَر عدد النجوم الميتة قليلًا. 
يشير الكاتب في الهامش إلى أن المجرات الأخرى تقع على بعد ملايين بل مليارات السنوات الضوئية، لذا فإن الاحتمالات ترتفع أن النجوم  من المجرات الأخرى التي نراها هي فعلًا ميتة. لكننا نحتاج إلى مقاريب قوية جدًا لمشاهدة نجومٍ مفردة من مجرات بعيدة، لذلك يرى الكاتب أن هذا لا يحتسب في صالح الادّعاء.

R Sculptoris is a dying red giant blowing
a bizarre spiral stream of material into space.

 ليست جميع النجوم تنفجر .. بعضها تتضخم لتكوّن عملاقًا أحمر ثم تبعد طبقاتها الخارجية حتى تتلاشى. هذه العملية تستغرق عشرات ملايين السنين لتكتمل، وهذا أطول بكثير من الزمن الذي يلزم الضوء للوصول إلينا.

النجوم ذوات الكتلة الصغيرة لا تقوم حتى بالتحوّل لعمالقة حُمر، إنها تتلاشى على مر الزمان باقية مئات مليارات السنين. أغلب تلك الأقزام الحمراء ستبقى زمنًا طويلًا جدًا جدًا.. ولكنّها حقًا لا تُهِم؛ لأنها معتمةٌ جدًا، وليس هناك أي قزم أحمر يمكن رؤيته بالعين المجردة، حتى أقربها، قنطور الأقرب Proxima Centauri، باهت جدًا لِأنْ يُرى من غير مقراب.

مهما أعدت النظر فإن القول بأن  كل النجوم التي تراها ، أو أغلبها، أو حتى عدد كبير منها نجوم ميتة خاطئ ببساطة.. قد يبدو صائبًا، ومناسبًا لأشياء تعتقد أنك تعرفها، لكن الحقيقة غير ذلك.

إذن، في المرة القادمة التي تنظر فيها للسماء، كن واثقًا بأن النجوم التي تراها ستبقى لبعض الوقت.






- فيل بلايت Phil Plait
@BadAstronomer

ترجمة / زهراء الصادق